ملتقى قرية رأس الخليج
أعضائنا الكرام
نرحب بكم ونتمنى الفائدة للجميع أنتم بنيان هذا المنتدى وتواجدكم ومشاركتكم معنا هو ما يدفعنا دائما إلى الأمام وإلى أن نحقق ما ينال رضى الله ورضاكم عنا أدعوكم للمشاركة والوقوف بجانبنا فنحن نحتاجك كعضو مشارك أكثر من كونك عضو مسجل
شاركنا ولو ببسمة** نتمنى للجميع النجاح والتوفيق

ادارة منتدي "ملتقي راس الخليج"

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى قرية رأس الخليج
أعضائنا الكرام
نرحب بكم ونتمنى الفائدة للجميع أنتم بنيان هذا المنتدى وتواجدكم ومشاركتكم معنا هو ما يدفعنا دائما إلى الأمام وإلى أن نحقق ما ينال رضى الله ورضاكم عنا أدعوكم للمشاركة والوقوف بجانبنا فنحن نحتاجك كعضو مشارك أكثر من كونك عضو مسجل
شاركنا ولو ببسمة** نتمنى للجميع النجاح والتوفيق

ادارة منتدي "ملتقي راس الخليج"
ملتقى قرية رأس الخليج
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القراءة منهج حياة

اذهب الى الأسفل

القراءة منهج حياة Empty القراءة منهج حياة

مُساهمة من طرف Ahmed Wassef الخميس يوليو 07, 2011 2:43 pm

القراءة منهج حياة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
أما بعد..

فكثيرًا ما نسمع بعض الناس يسأل: ما هي هوايتك؟
ونلاحظ الاختلاف الواضح في الإجابة، فأحد الناس يقول: إن هوايتي السباحة، بينما يجيب الآخر: هوايتي صيد الأسماك، ويخبر ثالث عن نفسه فيقول: وأنا هوايتي السفر والترحال... كل إنسان يخبر عن هوايته، وربما تكون هذه الهواية مختلفة عن غيره من الناس، لكن بعض الناس يخبرك عن هوايته قائلاً: "وأنا هوايتي القراءة!!"
وهذا ما أستغرب له كثيرًا، أن يقول إنسان ما :"أنا هوايتي القراءة"...
هل يصح أن يقول أحد: "هوايتي شرب الماء" مثلاً؟!! إن كل الناس يشربون الماء؛ فهذه ليست هواية، وإنما هي ضرورة، كذلك لا يصح أن يقول إنسان: "إن هوايتي الأكل!" لماذا؟ لأن الأكل ضرورة وليس هواية، فكل الناس يجوعون ولا بد أن يأكلوا، ربما تفضل طعامًا على آخر.. لك هذا، لكن أن تمتنع عن الطعام أو عن النوم أو عن التنفس فهذا يؤدي بك - ولا شك - إلى الهلاك؛ لأن كل هذه الأشياء من الضروريات لحياة أي إنسان.
وأنا أرى أيضًا أن أي إنسان لا بد له من القراءة..
يجب أن تقرأ ليس كتابًا أو اثنين فقط، وليس يومًا في الأسبوع أو شهرًا في السنة فحسب.. ولكن يجب أن تكون القراءة هي "منهج حياتك"...
لا يمر عليك يوم دون أن تقرأ... وليس المقصود أي قراءة...بل القراءة المفيدة النافعة.. القراءة التي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد...
فالقراءة إذن - يا إخواني - ليست هواية... فمن غير المناسب أن نسمع من يقول: أنا لا أحب القراءة، أو: لست متعودًا عليها، أو: أملّ سريعًا منها، فهذا مثل من يقول: أنا أملّ الأكل؛ لذلك فلن آكل!!
وإذا تأملت بعض مواقف السيرة النبوية، تجد اهتمامًا كبيرًا جدًا بقضية القراءة. ومن ثَم فلن تجد غرابة في قولي: إن القراءة ليست مجرد هواية، وإنما هي بالفعل: منهج حياة...
فعلى سبيل المثال، أريدك أن تتدبر موقف النزول الأول لجبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس مما يدعو للتفكير هذه الكلمة العظيمة التي بدأ بها الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم "اقرأ"؟! كان من الممكن أن يبدأ الوحي بأي كلمة أخرى غيرها، لكن هذا القرآن الذي استمرّ نزوله ثلاثًا وعشرين سنة بدأ بهذه الكلمة: "اقرأ"!
ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّيٌّ لا يقرأ... إلا أن هذه الكلمة توجَّه له وهو لا يعرف القراءة!.. مع أنه - صلى الله عليه وسلم - يتحلّى بآلاف الفضائل الحميدة والخصال الكريمة التي كان من الممكن أن يبدأ القرآن الكريم بالحديث عنها؛ لكن الوحي بدأ خطابه لخاتم الرسل بأمر صريح مباشر, مختصر في كلمة واحدة تحمل منهج حياة أمة الإسلام.. "اقرأ"..
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف كيف يقرأ, ولا ماذا يقرأ.. فقد ردَّ بوضوح: ما أنا بقارئ.. وظن أن هذه الكلمة كافية لأن يبدأ جبريل عليه السلام الكلام في موضوع آخر، أو أن يوضح المقصود الذي يريده.. لكن جبريل عليه السلام يضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمة شديدة قوية حتى بلغ الجهد منه صلى الله عليه وسلم, ثم يعيد عليه الأمر المختصر: اقرأ..
ولم يزد جبريل عليه السلام في هذا الموقف على هذه الكلمة، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ماذا يريد ولا ماذا يقصد.. بل لا يعرف من هو.. وكيف جاء إلى هذا المكان؟! إنه - صلى الله عليه وسلم - لا يرى أمامه إلا شخصًا غريبًا، يؤكد على معنى واحد لا يتعداه "اقرأ"... فقال صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية: ما أنا بقارئ.. ويعود جبريل عليه السلام لنفس الفعل الشديد.. يضم الرسول صلى الله عليه وسلم ضمة قوية حتى يبلغ منه الجهد ثم قال له للمرة الثالثة: اقرأ.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ..
هنا يضمه جبريل للمرة الثالثة ثم يرسله ويقول له:
"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5}"
كل ذلك قبل أن يقول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم إنه ملك مرسل من رب العالمين، وأنه - أي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - رسول الله، وإن هذا هو القرآن.. وقبل أن يقول له إن هذا الدين الجديد هو الإسلام...قبل هذا كله يقول له وبصيغة الأمر"اقرأ".
ألا يحمل ذلك إشارة لأمة الإسلام؟!
هل يُعقل أن تكون أولى كلمات القرآن نزولاً إلى الأرض كلمة تتحدث عن هواية قد يحبها البعض وقد ينفر أو يملّ منها البعض الآخر؟
إن القرآن يزيد على سبع وسبعين ألف كلمة، ومن بين كل هذا السيل من الكلمات كانت كلمة "اقرأ" هي الأولى في النزول...
كما أن في القرآن آلافًا من الأوامر: أقم الصلاة.. آتوا الزكاة.. وجاهدوا في سبيل الله.. وأْمر بالمعروف.. انه عن المنكر.. اصبر على ما أصابك.. أنفقوا مما رزقناكم.. توبوا إلى الله... وغيرها الكثير في القرآن الكريم.. ومن بين كل هذه الأوامر.. نزل الأمر الأول: اقرأ..
ولم يتوقف الأمر عند حدود الكلمة الأولى.. بل إن الآيات الخمس الأولى من القرآن الكريم تتكلم كلها عن موضوع القراءة، وتكررت فيها كلمة "اقرأ" مرتين...
"اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق"... وبعد ذلك: "اقرأ وربك الأكرم".. ثم يقول: "الذي علم بالقلم".. ويذكر القلم بالتحديد حتى يبقى الأمر واضحًا غاية الوضوح أن المقصود هو القراءة للشيء المكتوب بالقلم، دون أي كناية أو احتمالات مجازية.

ويمكننا بعد ذلك أن نسأل: لماذا نقرأ؟ وهل القراءة وسيلة أم غاية؟
القراءة وسيلة، ونحن نقرأ لكي نتعلم، وقد وضح الله عز وجل هذا في الآيات الخمس الأولى من القرآن الكريم، قال تعالى:"..اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم.. علم الإنسان ما لم يعلم"
ومع أن العلم غاية القراءة.. إلا أن الله عزَّ وجل لم يبدأ القرآن بكلمة: "تعلم". ولكن حدد: اقرأ..
لا شك أنه توجد وسائل كثيرة للتعلم مثل السماع والرؤية والخبرة والتجربة... لكن تبقى الوسيلة الأعظم في التعلم هي "القراءة"، وكأن الله عز وجل يعلمنا أنه مهما تعددت وسائل التعليم فلا بد لنا من "القراءة".
والله عز وجل يحدد لنا في هذه الآيات الخمس ضابطين هامين للقراءة:
الأول: قال تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"... فلابد أن تكون القراءة بسم الله، ولا يجوز أن نقرأ ما يغضب الله.. أو ما نهى الله عز وجل عن قراءته.. إنما القراءة لله عز وجل.. القراءة على منهج الله عز وجل.. القراءة لنفع الأرض والبشر.. ولخير الدنيا والآخرة.. أما القراءة التافهة أو المنحرفة أو الضالة أو المضلة فهذه ليست القراءة التي أمر الله عز وجل بها في قوله: "اقرأ باسم ربك الذي خلق..."
هذا ضابط هام...

الضابط الآخر: هو ألا تخرجك القراءة ولا العلم عن تواضعك.. فلا تتكبر بالعلم الذي علمت.. بل تذكَّر على الدوام أن الله عز وجل هو الذي منّ عليك به.. "اقرأ وربك الأكرم.. الذي علم بالقلم" هو الذي.. "علم الإنسان ما لم يعلم".. هذا المعنى لا يجب أن يغيب أبداً عن ذهن القارئ أو المتعلم.. مهما وصل إلى أعلى درجات العلم في زمانه.. فليعلم أن الله عز وجل هو الذي علمه..
يقول تعالى: "واتقوا الله.. ويعلمكم الله"..
ويقول: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً"..
فلا تتكبر بما تعرف على من لا يعرف.
فأوائل الوحي ترسم لنا منهاجًا قويمًا في طلب العلم والانتفاع به: لابد من الاعتراف بأن نعمة العلم من الله.. ولابد – كذلك – من توجيه طاقة العلم والقراءة وجهة يرضاها الله.

إذا قلبنا هذه الصفحة من السيرة رأينا موقفًا آخر رائعًا وغريبًا جداً على الزمن الذي حدث فيه، وعلى غيره من الأزمنة.. حتى زماننا!
إنه موقف فداء الأسرى في بدر...
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك الذي يريد فداء نفسه من الأسر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة!! هذا شيء غريب جداً.. وخاصة في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية...
لكن القراءة والكتابة والتعلم احتياجات ضرورية لأي أمة تريد النهوض والتقدم والرقي..
وإذا نظرنا إلى حال المسلمين أيام بدر وجدناهم في حاجة إلى الأموال وفي حاجة إلى الاحتفاظ بالأسرى للضغط على قريش، أو الاحتفاظ بهم لتبادل الأسرى إذا أسر مسلم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر فيما هو أهم من ذلك كله، وهو أن يعلم المسلمين القراءة... كانت هذه نقطة هامة في فكر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني أمة الإسلام بناءً متكاملاً.. حتى أن الصحابي الذي يستطيع القراءة كان يُقدَّم على أصحابه.. انظر إلى زيد بن ثابت رضى الله عنه الذي قُدم على كثير من الصحابة، وصار ملاصقاً للرسول صلى الله عليه وسلم بصفة شبه دائمة لأنه يُتقن القراءة والكتابة.. فصار كاتبًا للوحي، وكاتبًا للرسائل ومترجما للسريانية والعبرية.. كل ذلك بينما كان عمره ثلاثة عشر عامًا فقط!!
وكلنا يعرف أبا هريرة رضي الله عنه كيف كان حفظه، كان أكثر الصحابة حفظًا لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لننظر ماذا قال عن نفسه كما جاء في البخاري: "مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي"
ومع هذا الدرجة فهو يرفع فوقه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.. لماذا؟
لأنه يقرأ.. ويكتب.. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: " إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.. فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ".
لهذه المواقف – ولغيرها - غُرس حب القراءة في قلوب المسلمين، وكانت المكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي من أعظم مكتبات العالم، بل أعظمها على الإطلاق ولقرون طويلة: مكتبات بغداد وقرطبه وإشبيلية وغرناطة والقاهرة ودمشق وطرابلس والمدينة والقدس.... تاريخ طويل جداً من الثقافة والحضارة والعلم..
هذه هي قيمة القراءة في الميزان الإسلامي..
وهذه هي قيمة القراءة في تاريخ المسلمين..
ومع كل هذا التاريخ وكل هذه القيمة إلا أن أمة الإسلام – للأسف الشديد – تعانى اليوم من أمية شديدة!!.. انتكاسة حقيقية في أمة القرآن..انتكاسة في الأمة التي كانت ولا زالت أول كلمة في دستورها: "اقرأ"!!
إن نسبة الأمية التامة - عدم القراءة أو الكتابة أصلاً - في الشعوب المسلمة تصل إلى
37%...!!!
ومع هذه الأمية الشديدة إلا أن العالم الإسلامي يُنفق على التعليم أقل من 4 % من الناتج القومي الإجمالي.. وهذا يعني أن الموضوع ليس في بؤرة الاهتمام، وهذه مشكلة خطيرة وتحتاج إلى وقفة.
وهذه النسبة المذكورة (37%) هي الأمية الواضحة.
لكن هناك درجات كثيرة من الأمية غير المباشرة تنتشر في الأمة غير هذه الأميّة...
درجات من الأمية موجودة عند أناس يعرفون القراءة والكتابة جيدًا، بل ربما يكونون قد أنهوا دراساتهم الجامعية، أناس ربما يكون لهم تاريخ طويل في القراءة والكتابة، لكنهم لا يعرفون أشياء كثيرة في غاية الأهمية تحدث في دنيا الناس...
هناك آخرون عندهم أمّية دينية...
ربما تجد أستاذًا في الجامعة، أو طبيبًا كبيرًا، أو محاميًا على درجة عالية من التميّز في تخصصه، ومع هذا فلا علم له بالأساسيات التي يقوم عليه دينه.
هذا أستاذ في الجامعة - بعدما عاد من العمرة - يسأل أحد زملائه: ماذا نقول في التشهد؟! هل نقرأ الفاتحة؟!! هذا أستاذ في الجامعة!!!..
وهذه أستاذة في الجامعة أيضًا تقول إنها تصلى مع زوجها في المنزل صلاة الجماعة؛ فمرةً يؤمها في الصلاة، ومرة تؤمّه هي!!!
يحدث هذا في الصلاة، التي هي عماد الدين!! فما بالنا بغير ذلك من الأمور؟! حقًا.. إنها أمية فاضحة...
أقيمت مسابقة بين الشباب الجامعي كان أحد الأسئلة فيها عن ترتيب الخلفاء الأربعة: مَن الأول؟ ومَن الثاني؟....، وللأسف.. لم يعرف أحد من الشباب (الجامعي) الإجابة!!
البعض الآخر لديهم أمية سياسية؛ لا يعرف ماذا يحدث حوله في دنيا الناس، وكيف تسير الأمور.. لا يعرف ما يحدث في فلسطين والعراق، ولا ما يحدث في أمريكا وأوروبا... بل إنه لا يعرف ما يحدث في بلده!
ومن الناس من لديه أمية في القانون، لا يعرف ما هي حقوقه، وما هي واجباته...
وعلى ذلك فقس كل العلوم...
الناس اليوم لا يقرءون مجرد القراءات التي تكفل لهم حياة سليمة، فضلًا عن تحصيل العلم, والقراءة المتخصصة، والثقافة العليا...
وهذه ردة حضارية خطيرة!..
إن مفتاح قيام هذه الأمة هو كلمة: "اقرأ"...
لا يمكن أن تقوم الأمة من غير قراءة...
لهذا كان أحد المسئولين اليهود يقول: "نحن لا نخشى أمة العرب؛ لأن أمة العرب أمة لا تقرأ".. وصدق اليهودي وهو كذوب؛ فالأمة التي لا تقرأ أمة غير مهيبة ولا مرهوبة...
وهناك مشكلة أخرى، وهي أن الكثير من الشباب الذين يقضون وقتًا كبيرًا في القراءة، لا يحسنون اختيار المادة التي يقرءونها... فمنهم من يضيّع الساعات كل يوم في قراءة عشرات الصفحات من أخبار الرياضة، أو أخبار الفن، أو قراءة القصص العاطفية والروايات الغرامية والألغاز البوليسية... هم بالفعل يقرءون حروفًا وكلمات كثيرة لكن دون جدوى، وتمر الساعات والأيام والشهور والسنين... وماذا بعد كل هذه القراءات؟؟ لا شيء!!
وهذا أمر في غاية الخطورة؛ فإذا كان للقراءة هذه الأهمية الكبرى؛ فإن المادة التي يجب أن نقرأها هي أيضًا من الأهمية بمكان...
إذن فلدينا مشكلتان رئيسيتان:
الأولى: أن بعض الناس لم يتعودوا على القراءة، ويملّون سريعًا، وكلما علت همتهم وبدءوا في القراءة عادوا من جديد إلى الكسل والخمول، وهؤلاء في حاجة إلى وسائل تعينهم على القراءة وعلى الاستمرار فيها...
أما المشكلة الثانية: فهي أن بعض الناس يقرءون فعلاً، وينفقون أوقاتًا طويلة في القراءة، ولكنهم لا يقرءون لهدف معيّن، ولا يعرفون ماذا يقرءون لتصبح قراءتهم نافعة ومفيدة، وهؤلاء في انتظار حسن التوجيه إلى الموضوعات الأكثر نفعًا وفائدة..
وسنحاول معًا في السطور القادمة الإجابة عن هذين السؤالين.. والله المستعان.






















كيف أحب القراءة؟!

هناك عشر وسائل هامة يعينك الله بها على حب القراءة:
الوسيلة الأولى, وهي أهم الوسائل على الإطلاق: استحضار النية..
ما هو هدفك من القراءة؟ ولماذا تقرأ؟
أنا أقرأ لأن الله عز وجل أمرني بالقراءة، وقال لي ولكل المسلمين بصيغة الأمر المباشر: "اقرأ"... ولذلك فقراءتي طاعة لربي...
أقرأ لأنفع نفسي في الدنيا والآخرة؛ فلا فلاح في الدنيا بغير العلم، ولا فلاح في الآخرة بغير العلم أيضًا...
أقرأ لأنفع من حولي: أمي وأبي وأولادي وإخواني وأخواتي وأقاربي وأصحابي, ومن أعرف, ومن لا أعرف.. وأصبح كحامل المسك لا يجاوره أحد إلا انتفع بشم رائحته العطرة...
أقرأ - أيضًا - لأنفع أمتي... لأن الأمة التي لا تقرأ - كما سبق أن أشرت - أمة غير مرهوبة، أمة متخلفة عن الركب، متبعة لغيرها، ولهذا فأنا أقرأ لأجعل أمتي في مقدمة الأمم...
إنك بالقراءة يا أخي تُرضي رب العالمين، وتنفع نفسك، وتنفع من تحب، تنفع أمتك أيضًا... لا شك أن هذه الدوافع العظيمة تُشعل حماستك للقراءة...
وطالما كانت في ذهنك دائمًا هذه النية فلن تغيب عنك الضوابط التي ذُكرت في صدر سورة العلق؛ فأنت تقرأ باسم الله.. فلا بد أن تكون قراءتك على هذا المستوى، وأنت أيضًا لا تتكبر بقراءتك وعلمك.. لأنك تعلم أن الله عز وجل هو الذي منّ عليك بهذه المنة وهذا الفضل..
فهذه أولى وأهم الوسائل المعينة على القراءة: استحضار النية وتحديد الهدف، وبالحرص على هذه الوسيلة تتحقق لك أشياء في غاية الأهمية، منها أنك تحصل على الأجر والثواب لكل ما تقرأ من العلوم النافعة، ويكون لك بكل حرف تقرؤه حسنة، ولأن للمعلومة التي تقرؤها هدفًا نبيلاً سيتم ترسيخها في ذهنك جيدًا، أيضًا ستستمتع بكل ما تقرؤه استمتاعًا حقيقيًا.. ليس بالعلوم الشرعية فحسب, بل بكل العلوم؛ فالقارئ في السياسة سيستمتع بما يقرأ، وقارئ التاريخ، والقارئ في الاقتصاد كذلك سيستمتع كل منهما أيضًا بقراءته...
كذلك الطلاب سيستمتعون بمذاكرتهم، وسوف تختفي مشاكل الآباء والمدرسين مع الأبناء والطلاب، فبدلاً من أن يضغط الآباء والمدرسون على الطلاب.. عليهم أن يوجهوهم الوجهة الصحيحة نحو تجديد النية وتحديد الهدف، حتى لا تضيع الأيام والشهور والسنوات؛ فيخرج الطالب بعد دراسة ستة عشر أو سبعة عشر عامًا أقرب إلى الأمية منه إلى العلم!! كارثة حقيقية أن يضيع الهدف، وعلماء الإدارة يؤكدون دائمًا أن أول ما يجب عمله في أي مشروع في الحياة - إذا أُريد له النجاح - هو تحديد الهدف بوضوح.

الوسيلة الثانية من الوسائل المعينة على القراءة: أن تضع خطة للقراءة
لا داعي إذن للقراءة العشوائية، ينبغي وضع خطة واضحة للقراءة، ولكي تضع خطة بطريقة جيدة لا بد أن تكون على دراية كافية بإمكانياتك، والوقت المتاح للقراءة لديك، والكتب المتاحة، وما هي قدرتك على الاستيعاب، ولا بد أيضًا أن تعرف لماذا تقرأ...
بعد معرفة كل هذه العناصر ضع خطة واضحة في ظل إمكانياتك وقدراتك، مثلاً سوف أقرأ هذه الكتب الخمسة خلال الأشهر الستة القادمة، أو سوف أقرأ هذه الكتب العشرين خلال سنة أو سنتين، على أني سوف أقرأ أولاً الكتاب الفلاني في مدة كذا، وبعده كتاب كذا في مدة كذا... وعليك أن تلتزم بالخطة التي وضعتها لنفسك جيدًا، ولا تغيّر فيها إلا في حالة الضرورة، ربما تتعب أولاً في وضع الخطة، ولكن سوف تنجح إذا حرصت على الالتزام بها. والزم الوسطية في خطتك؛ فليس من الصواب أن تقرر قراءة عشرات الكتب في وقت قليل فتفشل في الإنجاز.. وربما أصبت بالإحباط، كما أنه ليس من الصواب أن تخصص وقتًا طويلاً جدًا لكتب قليلة؛ فيكون هذا تضييعًا للوقت.

وليكن لك كل عدة أشهر وقفة للمتابعة والتقييم، تسأل نفسك: هل كنتُ واقعيا في خطتي أم أن هناك أخطاءً؟، وإذا لم يتحقق الإنجاز المطلوب.. هل لأن الخطة ليست سليمة أم أن هناك معوقات تحتاج إلى دراسة ووضع وسائل للمقاومة والعلاج؟... وسيكون هذا التقييم المستمر من عوامل نجاح خطتك للقراءة إن شاء الله، فهذه هي الوسيلة الثانية من الوسائل المعينة على القراءة بعد تحديد الهدف.. وهي: وضع الخطة.

الوسيلة الثالثة: تحديد وقت ثابت للقراءة واستغلال الفراغات البينية:
وهذا يعني ألا تنتظر إلى آخر اليوم لتقرأ ما يجب عليك قراءته، بل حدد لنفسك وقتًا معروفًا للقراءة، وأحسن اختيار هذا الوقت، وحاول أن تختار وقتًا يكون ذهنك فيه نشيطًا، وتكون فيه مستريحًا حتى تستطيع التركيز في القراءة والخروج بنتيجة جيدة.
ويمكن أن يكون وقت القراءة مثلاً من بعد صلاة الفجر إلى الشروق، أو قبل المغرب بساعة، أو بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء مباشرة... وهكذا. حدد وقتًا معينًا.
كما ينبغي استغلال الأوقات البينية، وهي الأوقات التي عادة ما تكون بين عملٍ وآخر؛ فيمكن استغلالها في القراءة: في المواصلات، أو في متجرك عند عدم وجود زبائن، أو في أوقات انتظارك داخل عيادة أو مكتب لأداء عملٍ ما... وهكذا. سوف تجد أوقاتًا بينية كثيرة يمكن استثمارها في القراءة، وليكن كتابك دائمًا معك، وبمجرد أن تجد أي وقت فراغ سارع بفتحه واقرأ فيه... ستزداد بركة اليوم وسيصبح طويلاً ومتسعًا على عكس الماضي.

الوسيلة الرابعة: هي وسيلة من الأهمية بمكان وهي التدرج.
البعض عندما يقرأ هذه السطور عن أهمية القراءة سوف تشتعل حماسته، وتعلو همته, ويسارع إلى شراء مجموعة من الكتب, ويبدأ على الفور بقراءتها, ويفرّغ أوقاتًا طويلة للقراءة.. بل ربما يطغى وقت القراءة على أعمال أخرى هامة في حياته! ولمثل هذا نقول: عليك بالتدرج.. "إن هذا الدين متين؛ فأوغل فيه برفق" وخاصة إذا لم تكن متعودًا على القراءة، وإلا ستجد نفسك قد مللت سريعًا, وربما توقفت عن القراءة، ولتكن مثل لاعب "الماراثون" الذي يجري لمسافات طويلة، يبتدئ بهدوء وراحة, ثم يسرّع من خطواته تدريجيًا، وهذا يماثل القراءة؛ فإن طريقها طويل لأنها منهج حياة، وإذا جعلتها منهجًا لحياتك فيجب أن تبدأ بتعقل وروية حتى تصل بإذن الله.

الوسيلة الخامسة: الجدية
كما أكدنا في البداية أن القراءة ليست هواية، بل هي عمل جاد جدًا، ويحتاج إلى فكر ووقت ومال ومجهود وتضحية، ولا بد أن يُؤخذ الموضوع بجدية؛ فأنت تقرأ لكي تستوعب كل كلمة تقرؤها، تقرأ كي تفيد وتستفيد، فالقراءة عمل عظيم، وليس لك من هذا العمل إلا ما عقلته.
ونصيحتي لك عندما تقرأ أي كتابٍ أن تقرأه بنفس الهمة التي تقرؤه بها لو طلب منك مذاكرته لتؤدي فيه اختبارًا، وليس مجرد قراءة عابرة، وكلما قرأت شيئا سجّل ملاحظاتك، مثلا هنا معلومة تريد أن تتذكرها لتخبر بها إخوانك وأصحابك.. اكتبها، وهنا معلومة أخرى لا تفهم معناها جيدًا.. اكتبها لتسأل فيها أحد المتخصصين، وفي مكان ما في أحد الكتب التي تقرؤها عناصر هامة لأحد الموضوعات، ولك اعتراض على نقطة ما في أحد الكتب، أكتب كل ذلك في دفتر تحتفظ به معك أثناء قراءتك، وإذا التزمت بهذا الأسلوب فلا شك أنك سوف تكون دائما على وعي وتركيز في كل ما تقرأ، وسوف تلاحظ بالفعل الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها، وسيزداد تحصيلك أضعاف ما كنت تعتقد.. إنك تستطيع مراجعة قصص الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين لكي تعرف المعنى الحقيقي للجدية التي أقصدها، راجع قصة زيد بن ثابت رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والشافعي وأحمد بن حنبل والخوارزمي وجابر بن حيّان رحمهم الله، راجع سير هؤلاء ومواقفهم في القراءة وتحصيل العلوم لتكون على يقين أن إمكانيات البشر فوق كل تخيّل، وسبحان الله الذي خلق فسوّى.

الوسيلة السادسة: التنسيق للمعلومات, والنظام في كل شيء:
النظام والتنسيق مطلوبان في كل شيء، فحاول أن تكون منظمًا في كل حياتك، وعندما تقوم بتسجيل المعلومات في دفترك الخاص بعد القراءة الواعية لا تسجلها هكذا مبعثرة؛ لأن المسلم منظم في شئونه.. وليكن لديك دفتر خاص تدوّن فيه العلوم الشرعية، وآخر للعلوم السياسية، وثالث للقراءات الأدبية، ورابع للتاريخ وهكذا...، وإذا كنت أكثر تخصصًا فسّم هذه الدفاتر إلى أقسام أخرى أكثر تفصيلاً، وضع ذلك كله في مكان منظم في بيتك أو مكتبتك الخاصة، حتى يسهل الرجوع إلى أي معلومة تريدها بسهولة ويسر، وتضيف ما تريد من معلومات حيث شئت، وسيوفر ذلك لك كثيرًا من الوقت والجهد.
هذا الأسلوب الدقيق لن ينظم وقتك وبيتك فحسب، بل سينظم عقلك أيضًا، فبعض الناس تجدهم غير منظمين بالمرة، يأتي بمعلومة من الشرق ومعلومة من الغرب، دون دقة أو نظام، بينما تجد آخرين يحسنون تنظيم معلوماتهم، مما يدل على أن عقولهم منظمة؛ فهم يعملون كل شيء بعد حسابات دقيقة، ولا يبتعدون عن أهدافهم ولا يخرجون عن موضوعهم كثيرًا، وهذا لا يتأتى إلا بالمران والتدريب، وفوائده لا تحصى.
أنا الآن ألقي بعض المحاضرات من أوراق كتبتها منذ أكثر من عشر أو خمس عشرة سنة، وعاما بعد آخر، أنظر في هذه الأوراق وأضيف إليها، وأؤدي منها محاضراتي.
المحاضرة التي كنت أؤديها منذ عشر سنين أصبحت الآن عشرًا أو عشرين محاضرة، ولا شيء ينقص بل على العكس يزيد، والفضل – بعد الله - للنظام والتنسيق والترتيب، هذا فضلاً عن الراحة النفسية التي يضفيها النظام على حياتك وحياة من معك من الناس.

الوسيلة السابعة: تكوين مكتبة متنوعة في البيت:
اجعل هذا المشروع من أهم المشاريع في حياتك، وكما يفكر الزوجان في أن يكون لهما غرفة نوم، وغرفة استضافة...، عليهما أيضا أن يفكرا أن يكون لهما في المنزل غرفة للمكتبة.. وهذا العمل ليس ثانويًا، وليس من أدوات الترف، بل هو شيء أساسي في المنزل، ليس مهمًا أن تكون المكتبة فخمة أو فاخرة ذات أدراج مذهبة، ولكن المهم: ماذا فيها من كتب؟.. ينبغي أن يكون في ذهنك مشروع واضح لشراء مجموعة ضخمة من الكتب، وهذا الكلام ليس موجهًا إلى الأغنياء فحسب، بل هو للفقراء والأغنياء على حدٍ سواء؛ فالإنسان إذا أحس بقيمة الكتاب سيوفر - بلا شك - من مأكله ومشربه ليشتريه، وربما يأكل الإنسان أكلة واحدة بثمن أربعة أو خمسة كتب، وربما يشتري قميصًا بثمن عشرة كتب، بل ربما خرج في رحلة أسبوعًا مثلاً بثمن مكتبة قيمة جدًا.
وتستطيع - لو شغل هذا الموضوع ذهنك - أن تكوّن مكتبة متنوعة وشاملة لكل أنواع المعارف، ولو كتابًا واحدًا في كل فرع من فروع المعرفة، حتى إذا احتجت كتابًا في مجالٍ معين وجدته، وقد تملّ من القراءة في مجال بعينه فتجد لديك كتابًا في مجال آخر، وللعلم فإن هذه المكتبة التي تكوّنها تعد صدقةً من الصدقات العظيمة الجارية، لأنها تنفعك وتنفع أولادك... وربما أحفادك وأحفادهم بعد ذلك.

"إلى.. ومع.. ومِن..":
تلك هي الوسائل الثامنة والتاسعة والعاشرة، وهى علاقات بينك وبين الآخرين:
الوسيلة الثامنة: انقل ما تقرأ إلى غيرك:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني.. ولو آية" فالإنسان مطالب بأن يعلّم غيره ما تعلّمه هو، وفي هذا فوائد جمة، ومنافع عظيمة، منها تثبيت العلم في الذهن, وإفادة الغير بتعليمه، ويأخذ الإنسان مثل أجر من تعلم على يديه دون أن ينقص من المتعلم شيء، أضف إلى ذلك أن الله عز وجل يبارك له في علمه، وتذكر دائمًا القول المأثور "من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم"؛ فكلما علّمت الناس شيئا زادك الله من العلم "
"واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم"

الوسيلة التاسعة: أن تتعاون مع أصحابك وإخوانك في القراءة:
تستطيع أن تكوّن أنت ومجموعة من أصحابك إن كنتم ثلاثة أو أربعة أو خمسة... مجموعةً للقراءة، كلٌ منكم يقرأ في مجال، وتلتقون أسبوعيًا مرة أو مرتين أو كل أسبوعين مرة.. حسبما تقتضي الظروف، ويعرض كلٌ منكم ما قرأه على أصحابه، ويتم تبادل المعلومات بشكل منظم وممتع؛ فليس ما تقرؤه عينا إنسان واحد كالذي تقرؤه هذه الأعين مجتمعة، وليس ما يستوعبه عقل واحد مثل ما تستوعبه عقول ثلاثة أو خمسة، وبهذا يحفّز كلٌ منكم الآخر، ويأخذ بيده للخير والنفع، ولن يستطيع الشيطان أن يتغلب عليكم فهو مع الواحد، ومن الاثنين أبعد.. فما بالنا بثلاثة أو خمسة؟!...

الوسيلة العاشرة والأخيرة من الوسائل المعينة على القراءة: هي أن تنقل مِن العلماء:
ففي الوسيلة الثامنة أنت تنقل العلم إلى من لا يعرف، وفي الوسيلة التاسعة أنت تتعاون مع أصحابك وإخوانك في تحصيل العلم والتحفيز على القراءة.. أما ها هنا فأنت تنقل من العلماء والمتخصصين وذوي الخبرة، فلا بد أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولتسأل المتخصصين: ماذا تقرأ، وبأي كتاب تبدأ، وما هو أفضل كتاب في هذا الموضوع، وإذا كنت قرأت كتابًا في موضوع معيّن فماذا تقرأ بعده وهكذا...
كثيرًا ما يضيّع الإنسان الكثير من وقته في قراءة كتاب غير مفيد، أو قراءة كتاب صعب بينما هناك الأسهل، أو كتاب سطحي بينما هناك الأعمق...
والعلماء السابقون - كما نعرف - أخذوا العلم عن غيرهم، وبدءوا من حيث انتهى من سبقوهم، ومن ثَمَّ استفادوا, وأفادوا غيرهم، وما تكبَّر أحد منهم على التعلم والسعي في طلب العلم وسؤال غيره، وكانوا يتواضعون عند من هو أعلم منهم، ويظهر ذلك بوضوح في قصص الأئمة العظماء والعلماء الأجلاء من أمثال البخاري والنووي وابن القيّم وغيرهم... وما وصلوا إلى هذه الدرجة من العلم إلا بنقل علوم غيرهم ثم الإضافة إليها وتطويرها.. فهداهم الله, وهدى بهم أجيالاً وأجيالاً.
تلك عشر وسائل يمكن أن تساعد الإنسان حتى يقرأ، ويستمر في القراءة، ويستفيد منها ويركز فيها، ولا شك أن هناك وسائل أخرى، لكننا نضع هنا رؤوس الموضوعات فحسب. والله المستعان.






ماذا أقرأ؟

لو أنني بالفعل سوف أقرأ, وأريد أن أحقق هدفًا من القراءة, ولديَّ من الحماسة والعزيمة ما يبلِّغني هدفي.. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا أقرأ؟
تعالوا نفكر معًا.. ماذا نقرأ؟؟...
قد يتصور البعض – بدايةً - أنني سوف أخبره بفروع مختلفة من العلوم الدينية، وأنا أقول له: ليس هذا ما أقصده بمنهج القراءة؛ فالمسلم إنسان متوازن، يحتاج إلى القراءة في أمور كثيرة حتى يبقى متوازنًا، والإسلام له دور في كل نقطة من نقاط حياتنا، ومن هنا.. فكل قراءة في أي مجال نافع في الدنيا تعتبر "قراءة نافعة مطلوبة" في ميزان الإسلام.

تعالوا بنا نحدد عشر مجالات نقرأ فيها، وبالطبع هذه المجالات ليست سوي عينة مما يفترض أن نقرأه، وهي بداية, وكل ميسر لما خلق له.

المجال الأول: أول ما نقرأ.. وأعظم ما نقرأ.. وأهم كلمات نقرؤها هي كلمات القرآن الكريم، والقرآن الكريم ليس مجرد كتاب سوف تقرؤه مرة أو مرتين، القرآن الكريم دستور الخلق، وقراءته يجب أن تكون بصفة دورية مستمرة ومركزة، حتى إن العلماء قالوا: يجب على المسلم أن يجتهد في ختم القرآن قراءة في شهر أو أقل، فلا بد إذن أن يكون للقرآن الكريم مكان واضح في برنامجك اليومي.
وهذا الكلام يكتسب أهمية خاصة، حيث إن الكثيرين ممن يهتمون بدراسة العلوم المختلفة والقراءة ينشغلون عن قراءة القرآن الكريم، وهذه مشكلة خطيرة، فالله عز وجل من رجمته بنا يشجعنا على قراءة دستورنا وكتابنا بأن يعطينا على كل حرف نقرؤه حسنة، ثم يضاعف الحسنة إلى عشر أمثالها... وهذا عجيب لأن الحرف لا يستقيم به المعنى, بل نحتاج إلى تكوين الكلمة حتى يتم فهم المعنى، وكان من الممكن أن يعطي الله عز وجل بكل كلمة حسنة، ولكن الله تعالى من كرمه جعل المكافأة بالحرف، وهذا المعنى يؤكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يُفهم على غير المقصود.. ففي الترمذي بسنده عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ, وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.. لَا أَقُولُ (ألم) حَرْفٌ, وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ, وَلَامٌ حَرْفٌ, وَمِيمٌ حَرْفٌ".. فالقرآن إذن هو أول ما نهتم بقراءته.

المجال الثاني: وهو أيضًا في غاية الأهمية: أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. وفي الحقيقة ومع أهمية هذا المصدر، وكونه المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، إلا أن لدينا قصورًا فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم آتاه الله تعالى جوامع الكلم، بمعنى أن كلمات قصيرة يقولها، تجد فيها المعاني الضخمة، وبقراءة حديث واحد قصير جدًا تحصل على كمٍّ هائل من العلم والمعرفة والحكمة.
والكثير منا قد يقرأ القرآن الكريم، ولكن القليل هو الذي يمتِّع عينيه وعقله بكلمات الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، وحتى لو قرأها أحدنا فإنه ربما يقرؤها بصورة عشوائية غير منظمة، ولكننا نريد أن تكون قراءة الأحاديث النبوية الشريفة جزءًا رئيسيًا من تكوينك.
وإذا قرأت كل يوم حديثًا أو اثنين من أحاديث النبوية الشريفة، واطلعت على بعض المعاني لهذين الحديثين، فسوف يكون حجم استفادتك كبيرًا جدًا، إن السنة كنز هائل من الكنوز التي بين أيدينا، وكتب السنة ولله الحمد كثيرة، فلتبدأ بالبسيط منها ومع التدرج يكون الخير، ابدأ مثلاً بالأربعين النووية، فرياض الصالحين وهو أيضًا للإمام النووي، ولتقرأ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ولتقرأ أيضًا مختصر البخاري ومختصر مسلم... المهم أن تقرأ.

المجال الثالث للقراءة هو: العلوم الشرعية: من خلال الاستعانة بأحد العلماء أو السابقين لك في مجال القراءة يمكنك أن تعمل برنامجًا للقراءة في العلوم الشرعية.. وعلوم الإسلام كثيرة جدًا، فحاول أن تقطف من كل بستان زهرة، وأن تقرأ كتابًا في كل فرع من فروع العلوم الشرعية، وسيعطيك هذا خلفية رائعة، ويبني لك قاعدة متينة يمكنك أن تبني عليها بعد ذلك بنيانًا ضخمًا إن شاء الله، ولتبدأ بكتب بسيطة مختصرة, ثم توسع بعد ذلك مع مرور الوقت.
وهذه بعض الأمثلة لبعض الكتب التي يمكنك من خلالها بناء قاعدة جيدة في العلوم الشرعية:
1 - مختصر تفسير ابن كثير: كتاب رائع لتفسير القرآن الكريم، وهو يتميز بالبساطة في الأسلوب والسهولة في العبارة، تستطيع البدء بجزء عمّ وتبارك، وبعد ذلك اقرأ تفسير السور التي تحفظها ( البقرة - الكهف - يس - الواقعة... وقم بعمل جدول لذلك وحاول الالتزام به.
2 - فقه السنة: والجزء الأول منه يتحدث عن أحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج، وهو مهم جدًا لأداء هذه العبادات بالصورة الصحيحة التي أمر الله عز وجل بها...
3 - كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين: وهو كتاب مبسط جدًا عن العقائد الإسلامية، يتحدث فيه المؤلف عن كيفية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقضاء والقدر...
4 - مختصر منهاج القاصدين: وهو كتاب رائع في الرقائق والروحانيات وأمراض القلوب وكيفية معالجتها، ويتناول بعض آفات الأخلاق كالغضب والشح...، و يتحدث عن كيفية التوبة، وكيف تحب الله وكيف يحبك الله...وهو كتابٌ جميلٌ حقًا.
5 - كتاب خلق المسلم: للشيخ الغزالي, وهو كتاب رائع في فهم الأخلاق الأساسية لكل مؤمن.
6 - المرأة في التصور الإسلامي للدكتور عبد المتعال الجبري رحمه الله: وهو كتاب مهم وقوي في بيان قيمة المرأة ودورها, والشبهات التي أُثيرت حولها والرد عليها، وهو كتاب مهم ليس للنساء فحسب بل للرجال أيضًا.
7 - الرحيق المختوم للمباركفوري: وهو عبارة عن شرح بسيط لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.. من ميلاده إلى وفاته، ومن خلال هذا الكتاب يمكنك أن تأخذ فكرة سريعة عن حياة أفضل الخلق وخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
8 - صور من حياة الصحابة لعبد الرحمن رأفت باشا: وهو كتاب رائع عن سير بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويتميز الكتاب بلغته الجميلة وأسلوبه السهل البسيط ومعلوماته الكثيرة.
9 - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ لأبى الحسن الندوي.. كتاب مهم جداً لشرح حال الأرض قبل الإسلام، وكيف غيّر الإسلام مفاهيم الناس وصححها، وإن كان بودي لو أن المؤلف غيّر اسم الكتاب من "انحطاط المسلمين" إلى "تأخر المسلمين" ...لكن الكتاب -على العموم - ممتاز ورائع.
10 - من روائع حضارتنا.. للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: وهذا الكتاب من أروع ما كُتب عن جمال الحضارة الإسلامية، ومدى الرقي والتقدم الذي وصل إليه المسلمون في مجالات الحضارة المختلفة.
يمكن أيضًا أن تقرأ كتابًا جميلاً في شرح الأحاديث النبوية مثل كتاب: جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي، وهذا الكتاب يشرح أكثر من خمسين حديثًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب جميل جداً ومنظم.
وكذلك كتاب العبادة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي، وهو كتاب عميق في شرح معنى العبادة في الإسلام وبيان شمولها لكل أمور الحياة...
هذه بعض الأمثلة السريعة، ولا شك أن هناك كتبًا كثيرة مهمة جدًا، لكن الأهم هو البداية، فهذا هو إذن المجال الثالث بعد القرآن والحديث مجال العلوم الشرعية.

المجال الرابع للقراءة هو: القراءة في مجال التخصص: ومع الأهمية الكبيرة لهذا الجانب.. إلا إنني أرى أن معظم الملتزمين بالدين وخاصة الطلاب في الجامعات مقصرون فيه تقصيرًا كبيرًا...
فالقراءة في مجال التخصص الدنيوي مهمة للغاية، الطبيب لا بد أن يقرأ في الطب، والمهندس يقرأ في الهندسة, والكيميائي في الكيمياء، والجغرافي في الجغرافيا... وهكذا كلٌ في تخصصه..
اقرأ دائمًا الجديد، حسّن من مستواك، ارفع من قدراتك ومواهبك وإمكانياتك، حقًا هذا المجال في غاية الأهمية، نحن لا نريد من المهندس أن يترك الهندسة ويتخصص في الفقه، ولا نريد من الفيزيائي ترك الفيزياء والتخصص في التفسير؛ فنحن – وإن كنا في حاجة إلى علماء الشريعة – إلا أننا في أمسِّ الحاجة إلى علماء الحياة.
دعيت في إحدى المرات إلى حفل تخرجٍ لدفعة من دفعات كلية العلوم، وكان الحضور يسألون عن النصائح المهمة التي يمكن أن تفيدهم فيما هم مقبلون عليه من الحياة العملية، فقلت: أنا أعرف بداية أنكم مشغولون الآن بقضايا العمل والكسب والزواج.. وهي قضايا مهمة ولا شك، لكن أول نصحي لكم هو أن تستكملوا مسيرتكم العلمية، وتواصلوا تفوقكم في مجال دراستكم.. ينبغي على كل الحضور أن يسجلوا ماجستير ودكتوراة! ولم لا؟ ، وهل من يسجل هذه الدرجات العلمية يتميز عن المسلم الملتزم بدينه في شيء؟! على العكس.. إن المسلم المؤمن الملتزم بدينه لديه دوافع راقية جدًا للعلم؛ فهو يبغي بالعلم رضا الله تعالى والجنة ، كما أنه يريد عمارة الأرض، ونفع البشرية، وخدمة الإنسانية، وليس هذا إلا للمؤمن.

المجال الخامس من مجالات القراءة وهو مجال مهم جدًا أيضًا: هو مجال التاريخ:
وقد تحدثت معكم كثيرًا في مواطن مختلفة عن أهمية التاريخ... فالتاريخ في غاية الأهمية، ويكفي أن ثلث القرآن تاريخ، ثلث القرآن يتحدث عن قصص الأولين، والهدف واضح هو استخراج العبرة, والتفكر في الأحداث، واستنباط سنة الله تعالى في خلقه وفي أرضه.
ومع أهمية التاريخ كله إلا أن هناك أولويات؛ فأهم ما نقرؤه هو تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تاريخ الخلفاء الأربعة، ثم بقية التاريخ الإسلامي، ثم التاريخ غير الإسلامي، ويمكن أن تقرأ في البداية بالنسبة لموضوع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري (كما أشرنا منذ قليل) وهو شرح بسيط للسيرة النبوية من الميلاد إلى الوفاة، ويمكن بعد ذلك أن تستعين بكتاب سيرة ابن هشام، وفقه السيرة للبوطي، وفقه السيرة للغزالي... وغير هذا كثير.
من المهم أيضًا قراءة تاريخ الخلفاء الأربعة، ولتبدأ بكتاب "إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء" للخضري.
وأنت في حاجة أيضًا أن تقرأ عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن تبدأ في هذا المجال بكتاب "صور من حياة الصحابة" لعبد الرحمن رأفت الباشا (الذي سبقت الإشارة إليه أيضًا).
ومن الكتب التي تلقي أضواء مهمة على التاريخ الإسلامي كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟" لأبي الحسن الندوي رحمه الله، وكتاب "من روائع حضارتنا" للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، وكتاب "حماة الإسلام" لمصطفى نجيب رحمه الله.. وهذه الكتب في غاية الروعة، سوف توسع مداركك، وتفتح أمام عينيك أبوابًا كثيرة حاول أعداؤك قدر استطاعتهم أن يغلقوها...

المجال السادس في القراءة بعد التاريخ: هو قراءة الواقع:..
وهذا المجال خطير جدًا، ومهم جدًا وفي نفس الوقت هو حتميٌ للمسلم المثقف الواعي، وأقصد به قراءة الواقع الذي نعيشه، قراءة الواقع السياسي والاقتصادي والعلمي في العالم، قراءة هذا الواقع في بلادك، وفي بلاد المسلمين، وفي بلاد العالم بصفة عامة.
ولا شك أن للمتغيرات السياسية التي تحدث في الأرض تأثيرًا كبيرًا للغاية على أمة الإسلام، وإذا كنت تريد بالفعل أن تبني أمة الإسلام، فينبغي أن تعرف بصورة جيدة ما يدور حولك من أحداث على الصعيد المحلي والعالمي، وقد بات القول بأن الكلام في الجانب السياسي من المنكرات أو المحرمات.. بات هذا قولاً لا قيمة له، وفشلت المحاولات التي أُريد بها ترسيخ هذا القول؛ فالسياسة والاقتصاد والتجارة والزراعة والحروب والمعاهدات أجزاء لا تتجزأ من الإسلام.. وبعض الدعاة لا يهتمون بهذه الأمور, وبالتالي هم ينعزلون عن حياة الناس وعن واقعهم.. ومن ثَمَّ لا يؤثرون فيهم ولا يغيرونهم...
لا بد أن تتابع الصحف اليومية متابعة سريعة، وتطَّلع عل الصحف المختلفة الحكومية والمعارضة، المصرية وغير المصرية، الإسلامية وغير الإسلامية، العربية وغير العربية... ومتابعة المواقع العالمية للأخبار مثل BBC والـ CNN مع الحذر عند قراءة الأخبار من التضليل المقصود وغير المقصود، وحاول أن تقارن الأخبار ببعضها، وبعد فترة من الزمن تكتسب - بلا شك - حسًّا مرهفًا تستطيع أن تفرّق به بين الصواب والخطأ وبين الحقيقة والافتراء.

المجال السابع من مجلات القراءة مجال نعاني قصورًا شديدًا فيه: هو مجال قراءة الرأي الآخر:
وللأسف الشديد كثير منا ليس عنده استعداد لسماع أو قراءة الرأي الآخر، ليس عنده استعداد أن يقرأ أو يسمع لعالم مسلم ليس من نفس المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها، فضلاً عن أن يقرأ لمن لا يحملون الفكرة الإسلامية أصلاً! بينما الذي نعرفه هو أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
نحن في حاجة إلى أن نقرأ ما يقوله غيرنا، ونعرف ما هي وجهة نظره، وما هي أدلته، وما هو رأيه...
نحن في حاجة إلى أن نقرأ أيضًا للمدارس غير الإسلامية.. هناك مسلمون كثيرون لهم توجهات غير إسلامية؛ قومية، علمانية، اشتراكية، غربية، وطنية، ومنهم من لهم توجهات نفعية تصب في مصلحتهم الشخصية فقط... يجب أن نقرأ كيف يكتب هؤلاء, وكيف يفكرون وما هي أطروحاتهم؟!
وأذهب أبعد من ذلك فأقول نحن في حاجة أن نقرأ كتابات غير المسلمين، نحن في حاجة أن نعرف كيف يفكر اليهود، وكيف يفكر النصارى، وكيف يفكر حكام وعلماء وأدباء الغرب والشرق، نحن في حاجة أن نقرأ مذكرات نيكسون وريجان وبوش وكلينتون وكيسنجر وديفيد كوك وغيرهم... ما هي نظرتهم لنا؟ وكيف يقودون بلادهم؟ وكيف يحاربوننا أو يسالموننا؟؟.. هذا جانب في غاية الأهمية، ونحن في حاجة أن نفرغ له الأوقات والجهود، ولا شك أن مداركنا ستتسع كثيرًا عندما نقرأ ونسمع لغيرنا، وليكن في ذهنك دائمًا: "بدايةُ أن يسمع لك غيرُك.. أن تسمع أنت له"...

المجال الثامن للقراءة هو: القراءة في الشبهات التي أثيرت حول الإسلام وطرق الرد عليها...
ما أكثر الشبهات التي أثيرت حول الإسلام منذ نزول الرسالة وإلى الآن...
ما نعلمه ونوقن به أن الإسلام دين كامل بلا عيوب أو أخطاء؛ لأنه من عند رب العالمين.. ولكننا كثيراً ما نفتقد الحجة المقنعة لرد الشبهة.. وكثيراً ما نجهل الحق الذي معنا والذي نحن عليه..
وفى زماننا هذا كثرت الشبهات حول ديننا العظيم.. انعقدت لذلك مؤتمرات وأنفقت أموال وجُندت طاقات ضخمة وكثيرة.. ومن واجبنا أن نرد على كل هذه الشبهات ونقارع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان...
ما هو وضع المرأة في الإسلام؟
كيف نرد على من يقول إن الإسلام انتشر بحد السيف؟
ما الرد على من يقول بأن الحدود ستخرج لنا شعبًا معوّقا مقطوع الأيدي؟
ما هو الرد على من يتهم الإسلام بأنه دين الإرهاب والقسوة والجمود والتخلف؟
وهذا الكلام مردود عليه بردود عقلية منطقية قوية ومقنعة، وما يجب علينا هو أن نقرأ، ويمكن أن نستعين في هذا المجال بكتاب "شبهات حول الإسلام" للأستاذ محمد قطب، وكتاب"حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" للعقاد وكتاب "الإسلام في قفص الاتهام" للدكتور شوقي أبو خليل... وغير هذا كثير.

المجال التاسع الذي نحتاج أن نقرأ فيه وربما يثير شيئًا من الغرابة: هو مجال الأطفال!!
كثيرًا ما يسقط من حساباتنا أن تربية الأطفال علم له أصوله وفنونه، ويوجد من الكتب الكثير الذي كُتب في هذا المجال، ومن هذه الكتب، كتاب"تربية الأولاد في الإسلام" لعبد الله ناصح علوان، ويوجد أيضًا ما كتبه علماء التربية عن نفسيات الأطفال واحتياجاتهم...
نحن في حاجة أيضًا أن نقرأ في مجال "قصص الأطفال" حتى نستطيع أن نستخدم الأسلوب المناسب في عرض قصة هادفة على الأطفال في النادي أو المسجد أو المنزل...
وعقول الأطفال أكبر مما نتخيل، وطاقة الاستيعاب عندهم أضعاف ما نعطي لهم، وليس من المناسب أن يكون ما في عقول أطفال المسلمين لا يتعدى بعض أفلام الكرتون التي تتناول العنف والإثارة... يوجد علوم ضخمة يمكن أن يستوعبها الأطفال شرط أن تُعْطَى لهم بالأسلوب المناسب...
ومهارة تعليم الأطفال هذه تُكتسب من قراءة كتب التربية، وقصص الأطفال، ولا شك أننا إذا نجحنا في إيجاد جيلٍ يحب القراءة ويحب العلم فإن حال الأمة سيتغير إلى الأحسن إن شاء الله...

المجال العاشر والأخير من مجالات القراءة - وإن كنت على يقين أن هناك مجالات أخرى مهمة لم أتطرق إليها مع حاجتنا إلى القراءة فيها - هو القراءة الترويحية!
النفس البشرية تملّ، وتحتاج إلى الترويح والتسلية، ولا مانع أن يقضي المسلم بعض وقته في القراءة الترويحية والترفيهية، لا مانع من قراءة الشعر الجميل، لا مانع من قراءة بعض الأخبار الرياضية، أو الكاريكاتير أو بعض الطُرف الجميلة، لكن لا بد أن نلتزم في هذا الجانب بشيئين مهمين:
الأول: ألا يوجد في هذا المجال خروج عن المنهج الإسلامي، أي لا نقرأ - مثلا - قصصًا غير أخلاقية؛ تشجع على الرذيلة، وتدفع البنت لتقابل حبيبها دون علم الأهل بذلك، مع تسمية هذا بالحب الشريف، ولا يكون ما نقرؤه من شعر إباحيًا نأثم بسببه...
الثاني: ألا يكون الوقت الذي ننفقه في الترفيه كبيرًا، لأننا أمة جادة، ترفّه عن نفسها أحيانًا، ولسنا أمة هزلية تعيش بعض لحظات الجد...
Ahmed Wassef
Ahmed Wassef

عدد المساهمات : 105
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
العمر : 28
الموقع : masrsaqr@ymail.com

http://masrsaqr@ymail.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى